fbpx

الإعلام كان ولا يزال أحد أقوى الأدوات في التأثير على المجتمع، ومنذ ظهور وسائل الإعلام الحديثة، أصبح له دور كبير في تشكيل الرأي العام والتحكم في المشاعر والعواطف. في أوقات الأزمات والصراعات، سواء كانت حروبًا عسكرية أو أزمات صحية، نجد أن الخوف هو العاطفة الأكثر تأثيرًا في توجيه الجماهير. السؤال هنا: من يستثمر في خوفك، وكيف تقوم وسائل الإعلام، وخاصة الإعلام الآلي والتكنولوجي، بتغذية هذا الخوف لأهداف معينة؟

الإعلام والحروب: صناعة الخوف وتحفيز الجماهير

في زمن الحروب، كان للإعلام دور رئيسي في توجيه الشعوب وتشكيل مواقفها. من خلال استخدام صور الدمار، الأخبار العاجلة، والمحتوى المثير، تستطيع وسائل الإعلام تحريك مشاعر الخوف لدى الجمهور بشكل فعال. الحروب تتطلب تعبئة المجتمع وتبرير العنف، وهنا يأتي دور الإعلام في تقديم سردية تقنع الجمهور بضرورة اتخاذ موقف معين، سواء كان دعم الحرب أو القبول بسياسات قمعية معينة.

على سبيل المثال، في الحربين العالميتين الأولى والثانية، لعب الإعلام دورًا كبيرًا في الترويج للدعاية الوطنية، وحشد الشعوب لخوض الحروب. تم استثمار الخوف من العدو الخارجي، وتحويله إلى قوة دافعة تدفع الناس للقتال والمواجهة. وبنفس الطريقة، في الحروب الحديثة، مثل حرب العراق والحرب على الإرهاب، استخدمت وسائل الإعلام الخوف من الإرهاب كسلاح لجعل الجماهير تدعم قرارات عسكرية مثيرة للجدل.

الإعلام الآلي: الخوف في العصر الرقمي

مع تطور التكنولوجيا، أصبح الإعلام أكثر تأثيرًا وسرعة في إيصال رسائله. الإعلام الآلي، المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، محركات البحث، والتقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، أصبح قوة ضخمة في تحديد ما يراه الناس وكيف يشعرون تجاه الأحداث. في أوقات الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا، لعب الإعلام الآلي دورًا كبيرًا في نشر الخوف والذعر بين الجماهير.

الآلات والخوارزميات التي تتحكم في تدفق المعلومات عبر الإنترنت تميل إلى ترويج المحتوى الأكثر إثارة، لأن هذا النوع من المحتوى يجذب الانتباه ويزيد من التفاعل. وسائل الإعلام الآلي تستخدم الخوارزميات لتقديم المعلومات التي تزيد من شعور الخوف والتوتر، لأن الخوف يولد المزيد من النقرات والمشاهدات، وبالتالي المزيد من الأرباح. على سبيل المثال، الأخبار الكاذبة أو المضللة حول الأوبئة أو الحروب تنتشر بسرعة لأنها تثير ردود أفعال قوية لدى الجمهور.

كيف يتم استثمار الخوف؟

الخوف هو أداة قوية تُستخدم للتحكم في الجمهور وتحقيق مصالح معينة. الشركات، الحكومات، وحتى وسائل الإعلام نفسها، تستثمر في الخوف لتحقيق عدة أهداف:

  1. السيطرة السياسية: في أوقات الأزمات، يمكن للحكومات استخدام الخوف لتبرير السياسات القمعية أو فرض حالة الطوارئ. عندما يخشى الناس على أمنهم أو حياتهم، يكونون أكثر استعدادًا لقبول تقييد الحريات الشخصية مقابل الشعور بالأمان.

  2. زيادة الأرباح: وسائل الإعلام تستفيد ماليًا من انتشار الخوف. القصص المثيرة والمخيفة تحصل على نسب مشاهدة أعلى وتفاعلات أكبر على منصات التواصل الاجتماعي. هذا يعني المزيد من الإعلانات والمزيد من العائدات.

  3. تعزيز السياسات الأمنية والعسكرية: في زمن الحرب، يمكن استخدام الخوف لتبرير الإنفاق العسكري أو التدخلات الخارجية. الخوف من العدو الخارجي يجعل الناس يدعمون القرارات التي تتعلق بالحرب والدفاع الوطني.

  4. التلاعب بالسوق: حتى في المجال الاقتصادي، يمكن استثمار الخوف للتأثير على الأسواق. الأخبار السلبية أو التقارير المبالغ فيها حول الأزمات الاقتصادية قد تؤدي إلى تذبذب الأسواق، مما يسمح للبعض بتحقيق أرباح من هذه التحولات.

تأثير الخوف على المجتمع

عندما يصبح الخوف هو القوة الدافعة وراء اتخاذ القرارات، يمكن أن يتسبب ذلك في تدمير الثقة بين الأفراد والمؤسسات، وزيادة الانقسامات الاجتماعية. الخوف المتواصل يولد القلق والتوتر، ويؤثر على الصحة النفسية للناس، مما يؤدي إلى الشعور بالعجز وانعدام الأمان.

الإعلام الذي يستثمر في الخوف يعمل على خلق حالة من الهلع المستمر، مما يجعل الناس أكثر انقيادًا وسهولة في التلاعب بهم. وفي الوقت نفسه، يساهم ذلك في تشتيت الانتباه عن القضايا الحقيقية والمهمة التي تحتاج إلى اهتمام ومعالجة.

كيف نحمي أنفسنا من استثمار الخوف؟

من المهم أن يكون الفرد على دراية بأن الخوف قد يُستخدم كأداة للتلاعب. للحد من تأثير الإعلام الآلي في نشر الخوف، يمكن اتباع عدة استراتيجيات:

  1. التحقق من المصادر: قبل تصديق أو مشاركة أي خبر، من المهم التحقق من صحة المعلومات ومصدرها. يجب الاعتماد على وسائل إعلام موثوقة وتجنب الأخبار المثيرة التي تفتقر إلى الأدلة.

  2. التفكير النقدي: بدلاً من القبول الأعمى لكل ما يُنشر، يجب علينا التفكير بعمق وتحليل المعلومات بشكل نقدي. ما الهدف من نشر هذا الخبر؟ من يستفيد من نشر الخوف؟

  3. الوعي بالتحيزات الإعلامية: وسائل الإعلام ليست محايدة بالكامل، وكل وسيلة إعلامية لديها أجندة معينة. يجب أن نكون على دراية بالتحيزات المحتملة التي قد تؤثر على طريقة تقديم المعلومات.

  4. التوازن في استهلاك الأخبار: من الجيد أن نكون على اطلاع دائم، لكن من المهم أيضًا تجنب الاستهلاك المفرط للأخبار السلبية، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تميل إلى تضخيم الأخبار المثيرة والمخيفة.

الإعلام الآلي والحروب كلاهما يعتمدان على إثارة مشاعر الخوف للتأثير على الجمهور وتوجيهه نحو اتخاذ مواقف معينة. سواء كان ذلك لدعم سياسات معينة، أو لزيادة الأرباح، أو للتحكم في الرأي العام، فإن الخوف أصبح سلعة قيمة يتم استثمارها بطرق متعددة. من الضروري أن نكون على دراية بهذه الديناميكية، وأن نعمل على حماية أنفسنا من الوقوع في فخ الخوف المستمر.

 

Leave your thought here

Your email address will not be published.